ظهر صندوق النقد الدولي - في البداية - كمؤسسة عالمية محايدة، تهدف إلى مساعدة الدول التي يمر اقتصادها ببعض التدهور، عن طريق منحها القروض مع فوائد بسيطة، لكن ما حدث بعد ذلك هو تحوله إلى قوة عظمى تتحكم في مصائر تلك الدول، وتمتص مواردها وثرواتها المتبقية من خلال الفوائد التعجيزية، وفرض القواعد الفاشلة التي تؤدي إلى تدهور الاقتصاد أكثر مما هو عليه بدلًا من تحسينه؛ ومن الملاحظ أنه ما من بلد تدخل الصندوق لمساعدته إلا وتدهور اقتصاده بشكل ملحوظ.
مؤتمر (بريتون وودز ) هو مؤتمر أقامته (الولايات المتحدة ) عام 1944 حين كانت الحرب العالمية الثانية لا تزال قائمة، للتوصل إلى نظام جديد يمكنه إعادة التوازن للاقتصاد بعد التدهور الذي حدث في (أوروبا ) نتيجة الحرب؛ لكننا نجد أنَّ ذلك - في الواقع - لم يكن هو الهدف الوحيد الذي دفع (الولايات المتحدة ) لإقامة هذا المؤتمر.
كانت (الولايات المتحدة ) في ذلك الوقت هي القوَّة العظمى الجديدة الصاعدة في العالم، واحتلت محل (بريطانيا ) التي أصبحت منهكة اقتصاديًا وهيكليًا وفي كافة النواحي نتيجة تلك الحرب الطاحنة؛ وأمست (الولايات المتحدة ) تمتلك نحو ثلثي الرصيد الذهبي في العالم، وتنتج ما يزيد على نصف الإنتاج الصناعي العالمي، كما أنها أصبحت أكبر دائن على المستوى الدوليِّ، وهو ما دفعها إلى اقتراح إقامة مؤتمر (بريتون وودز ) ، كما طالبت بإقامة مؤسسات دولية يمكنها الإشراف على منح وسداد تلك القروض. وهكذا نجد أنَّ الهدف الأول لـ (الولايات المتحدة ) هو توزيع أعباء تلك القروض على أطراف كثيرة، بدلًا من أن تتحملها وحدها.
كان (صندوق النقد الدولي ) هو أحد تلك المؤسسات الدولية التي اقترحت (الولايات المتحدة ) إنشاءها، بالإضافة إلى (منظمة التجارة العالمية ) و (البنك الدولي )، وقد أُنشِئ عام 1947 م ومقره (واشنطن ) . وقد كان البلجيكي (كميل جوت ) هو أول مدير عام للصندوق، الذي بدأ برأسمال قدره 8.8 مليار دولار، وهي عبارة عن إسهامات الدول الأعضاء، وقد ساهمت الولايات المتحدة وحدها بحوالي 2.9 مليار دولار، وهو ضعف إسهام (بريطانيا ) ، مما يعني أن (الولايات المتحدة ) سيكون لها الكلمة العُليا في أي تصويت .
شهدت دول (أوروبا ) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية معجزة اقتصادية، لكن لم يكن لصندوق النقد الدولي دور كبير فيها. لكنه- وكي يتمكن من ممارسة عمله -كان عليه أن يوجه أنظاره إلى منطقة أخرى تحتاج حقًا تلك القروض التي يقدمها؛ وقد كانت الدول الفقيرة في القرن العشرين -والتي تخلصت لتوها من الاستعمار، وأصبحت تريد سيولة نقدية كي تتمكن من إعادة بناء نفسها -هي هدفه الجديد.
كانت (تشيلي ) هي إحدى الدول التي وقعت في قبضة الصندوق؛ ففي عام 1973 ساعدت (المخابرات الأمريكية ) في القيام بانقلابٍ عسكري ضد الرئيس الاشتراكي (سلفادور أليندي )، وتسليم السلطة للديكتاتور الفاشي (أوغستو بينوشيه). كان الصندوق يدفع (بينوشيه) لقمع كافة أشكال المظاهرات والاحتجاجات والمعارضة السياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى كان يحاول فرض بعض السياسات الاقتصادية الجديدة التي كانت تدعمها كل من (الولايات المتحدة ) و (صندوق النقد الدولي )؛ حيث قام بإلغاء كافة عمليات التأميم التي نفذها (أليندي )؛ كما قام بخفض الإنفاق الحكومي، وخفض أجور العاملين، وزيادة الضرائب على تلك الأجور، بالإضافة إلى تسريح عدد كبير منهم.
لكن تلك السياسات، التي كان من المفترض أن تحسن الأوضاع الاقتصادية، أدت إلى تدهورها بشكل كارثي؛ فقد ارتفع معدل البطالة من 3% في عام 1973 ، إلى عام 18.7% عام 1975 . وفي العام نفسه وصل معدل التضخم إلى 341%، هذا بالإضافة إلى تفاقم أعداد من هم تحت خط الفقر، وتفاقم التفاوت في الطبقات الاجتماعية، وبالطبع كانت تلك هي اللحظة التي كان ينتظرها الصندوق لزيادة قروضه التي يقدمها لـ (تشيلي ) ، مما يعني زيادة الفوائد، ومن الملاحظ أن القروض التي قدمها لـ (تشيلي ) قد تضاعفت في العام الأول بعد الانقلاب أربعة أضعاف، ثم خمسة أضعاف في العامين التاليين.
لم يقتصر استخدام القمع لفرض سياسات الصندوق على (تشيلي ) فقط. ففي (مصر ) قُتِل 79 متظاهرًا عام 1977، وقُتل 550 مواطنًا في سياق الاحتجاجات التي تمت اعتراضًا على مطالبة صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية بإزالة الدعم عن أسعار المواد الغذائية، وفي عام 1981 فرض الصندوق الشرط نفسه على الحكومة المغربية في مقابل منحها قرض يُقدر بـِِ 1.2 مليار دولار، وقد قُتل أكثر من 600 شاب ممن خرجوا للاحتجاج على هذا القرار.
وفي العام نفسه في (جمهورية الدومينيكان ) اعتقلت قوات الشرطة 4000 متظاهرًا، وقتلت 50 منهم. وقد كانت السياسات التي يفرضها الصندوق هذه المرة هي ارتفاع أسعار العقاقير الطبية إلى الضعف. أما في (فنزويلا ) فقد كان إلغاء الدعم على أسعار البنزين هو سبب الاحتجاجات التي أدت إلى قتل أكثر من 600 متظاهر، وجرح أكثر من ألف مواطن. واستمرت سياسة صندوق النقد الدولي تفرض نفسها على الكثير من البلدان الأخرى، واستمر استخدام القمع في تنفيذها؛ حيث تكرر الأمر نفسه في (نيجيريا ) و ( النيجر ) ، وغيرها من الدول التي تنصاع لسياسات الصندوق، بغض النظر عن أن الآثار السلبية لتلك السياسات لا تقع إلا على رؤوس الفقراء في هذه الدول.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان